تنفيذ الملف الطبي الإلكتروني: سلسلة عملية (٢)

من المعلوم قبل بداية أي مشروع متعلق بالصحة الرقمية يكون هاجس التنفيذ دائماً على المحك، ما يصيب الإدارة العليا والمستخدمين بتوتر شديد يجعل نصب أعينهم الإطلاق فقط، ما يُسمى (قصر نظر يوم الإطلاق Go-Live Myopia)؛ وذلك لوجود عوامل خارجية عديدة مؤثرة على الجميع كلها تنصب على موعد إطلاق المشروع بغض النظر عن تفاصيله.
ما لا يقل أهمية من التنفيذ في مثل هذه المشاريع الضخمة هو الاسهاب –نعم الإسهاب– في (التخطيط) لأن التنفيذ مليء عادةً بما اسميه (الضجيج) المصاحب للصعوبات المتوقعة وغير المتوقعة الناتجة في هذه المرحلة، فيكون التخطيط حينئذٍ بلا قيمة حقيقية، على النقيض في وضع مكانة التخطيط الحقيقية بشكل متعمق قبل البدء في التنفيذ بوقتٍ كافٍ، وخصوصاً في رحلة مشروع تحول سريري –قبل كل شيء–!
الحديث عن التخطيط لوحده لا يكفيه مذكرة بل سلسلة مذكرات تتناول كل جانب لأهمية كل منها على الناتج النهائي للمشروع، ولعلي أركز في هذه المذكرة على أهم العوامل –بالنسبة لي من قراءة عملية– لنجعل التركيز يصب في (حوكمة) مشروع الملف الطبي الالكتروني داخل المنشأة الطبية بغض النظر عن حجمها.
الدرس المستفاد #2
الحوكمة - Governance
لماذا الحوكمة؟
ذكرت في مذكرة سابقة عن عامل مهم كوجود مبادئ توجيهية للتنفيذ، وفي مذكرة أخرى الصراع الذي يعتري مقدمي خدمات الصحة الرقمية في المنشآت الطبية، فكلتا هذين الأمرين تحدّدان مصير وعلاقة الحوكمة التي ستوجّه سير المشروع ليس فقط لوجهة الإطلاق فحسب، بل إلى الهدف الأسمى للتطوير المستمر في رفع كفاءة وجودة خدمات الرعاية الصحية المقدّمة!
إن الهدف من وجود حوكمة في مثل هذه المشاريع الضخمة –غير كونه شرطٌ أساسي لنجاحها– هو وضع بيئة متناغمة قادرة على الإنجاز وتحقيق الأهداف المرحلية للمشروع بشكل واضح مما يضع مسئوليات واضحة لكل طبقة ولكل فرد في المشروع، لأن آخر ما تود أن يكون هو الفوضى في العمل في مشروع طبيعته الأساسية التعدد والتنوع لكافة المستخدمين النهائيين!!
حوكمة الملف الطبي الالكتروني
تختلف المنشآت أثناء –وفي معظم الأحيان قبل– تنفيذها لمشاريع الملف الطبي الالكتروني في متابعة سير وتقدم المشروع استناداً على الحوكمة (الموجِّهة) للمشروع والتي عادةً ما تتكون من عدّة طبقات، وصولاً للطبقة التي لا تقبل التصعيد والتي يكون فيها المدير التنفيذي للمنشأة (أو من في نفس المكانة) قادراً على الفصل بشكل نهائي في القرارات التي قد تؤثر على سير المشروع.
المثال التالي يوضّح رؤية عالية لشكل الحوكمة في منشأة طبية في سير عمل أدوات الصحةالرقمية ومنها –إن لم يكن أهمها– الملف الطبي الالكتروني.

الدفّة الأهم في الحوكمة –بالنسبة لي– هي الطبقة التنفيذية للمشروع فهي التي تعمل على التشغيل والبناء والتي تكون فيها معظم الأنشطة العملية أثناء التنفيذ وحتى بعد الإطلاق! ولعلّ أهم ما يجب فعله في مرحلة التخطيط لحوكمة هذه المشاريع هو اختيار قيادة الطبقة التنفيذية، بحيث تكون تحت وعاء تنظيمي –بشكل أدق هيكل تنظيمي– واحد بالرغم من اختلاف خبرات أفراد الفريق السريرية وغير السريرية، وذلك لسد فجوة التواصل التي قد تنتج عن فصل هيكلة الفريق بحيث يكون الفريق غير مطلع لسير عمل المشروع، بل وغير متوائم في أخذ القرارات!
مهام الحوكمة
على سبيل المثال لا الحصر:
- إلغاء أو تعديل نطاق أحد أذرع المشروع.
- تحديد، تعديل أو حتى تأجيل موعد الإطلاق للمشروع.
- القرارات المتعلقة بخفض تكلفة أُقرّت سابقاً، أو زيادتها عن طريق إضافة محتوى/تطبيق/أجهزة، بناءً على تغذية راجعة من فرق المشروع.
- إعادة ترتيب أولويات الأدوات الرقمية وإطلاقها، وخصوصاً فيما يتعلق بمشاريع التنفيذ الجذرية/الكبيرة في المنشأة.
ماذا بعد وجود الحوكمة؟
لا ينبغي أن تكون الحوكمة نهائية، خصوصاً في ظل عدم وجود خبرات سابقة –محلياً– في تنفيذ مثل هذا النوع من المشاريع، وهذا ما نسعى أن نخلقه في سد الفجوة لتهيئة متخصصي ومحترفي تخصصات الصحة الرقمية المختلفة –ما اعتبره من أهم مقومات النجاح التي نفتقدها في المملكة–، فعليه لن يكون الوقت متأخراً لمراجعة هيكل الحوكمة الذي تم إقراره في مراحل سابقة للمشروع، وهنا يكون دور الإدارة العليا في المرونة اللازمة للتنبُّه عند الانحراف و/أو عدم التناغم الذي سيعتري الفريق والذي قد يكون أحد مسبباته حوكمة غير فاعلة.
توقعات ما بعد الحوكمة
١) لا ينبغي التركيز على موعد الإطلاق أو الإطلاق بحد ذاته لقياس نجاح هذه المشاريع، فحقيقة الأمر أن الإطلاق هو فقط إعلان بداية رحلة التغيير المستمرة التي ستطرأ على العمل السريري داخل المنشأة الطبية و/أو التجمع الصحي وخلافه.
٢) مراجعة المستهدفات المرحلية (milestones) باستمرار والتحقق من سير خطة تنفيذ المشروع بموضوعية وبأجهزة يُستطاع قياسها.
٣) التدخل السريع وتخفيف المخاطر، بغض النظر عن صرامة القرارات المتخذة، وإن كان ذلك إعادة تعيين أصحاب المصلحة عند الحاجة.
٤) تفعيل دور الحوكمة بإنشاء سياسات وإجراءات تضمن سير العمل الإكلينيكي وتغيراته بعد تفعيل أي أدوات رقمية على مستوى المنشأة.
٥) الحرص على ديمومة أعمال الحوكمة ما وراء إطلاق المشروع أو الانتهاء من تنفيذ المراحل الأولية، وضمان سير عملها، وعادةً ما يكون ذلك بإنشاء لجنة بقيادة المدير الطبي/المدير التنفيذي للمعلوماتية وعضوية المجلس الطبي في المنشأة.
٦) استشراف التدخلات من مختلف أقسام المنشأة، حيث أن ملكية بعض الإضافات تكون تشاركية؛ على سبيل المثال تشغيل نظام طوارئ المستشفى، أو غرف العمليات تكون عادةً مصممة بشكل يخدم سير عملهم، والصورة الكبرى تأتي عند اعتماد هذه الأنظمة على بعضها البعض، فتوفر الأسرة الشاغرة لحالة طارئة اُستقبلت في الطوارئ خارج أوقات العمل ستعتمد بشكل كبير على نظام غرف العمليات وتوفر الجراحين المناوبين، وهكذا دواليك.
٧) التصميم الأولي للحوكمة ليس هو التصور النهائي، بالتالي تصور نضج المنشأة الرقمي مع كل إضافة رقمية جديدة لابد أن يؤخذ بالحسبان، وعليه قد يكون هناك إعادة هيكلة مرنة ومستمرة إن استدعى ذلك.
٨) لا تفترض نضج صُنّاع القرار في المنشأة في الموافقة على هذه الهياكل بشكل سلس، وذلك لما يعتري الوسط الطبي من صعوبات في تقبل التغيير.
تم وضع هيكل للحوكمة بنجاح؟ ماذا بعد؟!
توقّع أن تُحدث تغييراً مهما كان حجمه، وإن فعلت؛ فأنت إذاً في مرحلة جيدة جداً للبدء في التنفيذ، انتقل إلى الدرس المستفاد القادم :)
هنا بعض المصادر للاستزادة، مع اعتذاري لشح المحتوى العربي.
(1, 2, 3, 4)